الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

س سؤال

هذه التدوينة إن شاء الله اجعلها واحدة من سلسلة تدوينات أسميتها: "بالأمس كنت واليوم صرت" وقد جعلتها نافذة أبوح فيها ببعض التغيرات التي طرأت عليّ كمحاولة لتتبع أفكاري ومراقبتي لنفسي.
ــــــــــــــــــــــــــــ

يُولَد الإنسان مُحَمَل بمئات الأسئلة، وكلما كبرنا تقل قدرتنا على التساؤل بفعل المجتمع ربما أو بفعل من حولنا عامة فلا أحد يتحمل كمية الأسئلة التي يمكن أن يطرحها شخص مُولَع باكتشاف الحياة. بعضنا تهدأ الأسئلة في ذهنه وروحه أو تُدفَن، وبعضنا الآخر تظل الأسئلة تلاحقه مدى الحياة.
 ربما تكون الأسئلة بالنسبة لشخص ناضج شىء جيد لكن سيل أسئلة لطفل أو فتى لم يهتدي بعد لما يشبع روحه وفي مجتمع يخلط بين العيب والحرام ومشبع بإجابات جاهزة ومُسبقة لكل شىء, وبدون شخص يرشده أو يتحمل كمية الأسئلة التي يطرحها؛ فذلك هو الجحيم بعينه. لا تتخيل ما يمكن أن يفعله بك تفكير ليس مُكونه الأفكار ولا يُولِد أفكار إنما تفكير عبارة عن سلسلة من التساؤلات تُولِد المزيد من التساؤلات؛ لا تتخيل الجحيم الذي يمكن أن يسببه لك تفكير من هذا النوع خاصة إذا كنت غير قادر على فهم ما يحدث بالفعل في دماغك ولا قادر على تنظيم أو ترتيب هذا الكم من الأسئلة وغير قادر على إيجاد إجابات لأتفه وأبسط الأسئلة في حياتك ومواقفك اليومية.

 سُئلت يومًا على موقع  (الأسك):
 لو كنت غيمة أي شىء ستمطرين ؟
 قُلتُ: أسئلة.

 ذلك حقيقي إلى حد بعيد فأنا اشعر اني كنت غيمة أسئلة مُذ ولدت؛ فأنا لا اتخيل وقت محدد بدء معي هذا الأمر ولكني أذكر أنه اشتد جدا وصار غليانه يرتطم بنفسي وروحي في سن ال 16 تقريبا. عانيت كثيرًا مع نفسي حتى أن الأمر وصل لدرجة الهوس ففي كل شىء أراه وأسمعه كان عندي (لماذا وأخواتها) أطرحها.
 بعد اربع سنوات من التخبط .. قررت وقتها ان أُقيم هدنة مع نفسي ونتوقف فترة عن طرح الاسئلة وننشغل أكثر بالعمل علنا نجد اجابات. والآن بعد أربع سنوات أخرى أدركت قليلا؛ أدركت أن المشكلة لم تكن ابدا في كمية الأسئلة المشكلة طول الوقت كانت في عدم قدرتي على ترتيبها أو تنظيمها داخل دماغي؛ فقد كانت دائما أسئلة متلاحقة سريعة .. لم أُعطي الوقت لنفسي ولم تعطيني هي ولم يعطينا أحد الفرصة على فرزها وترشيدها, مثل مجنون كنا نبحث عن اجابات لكل سؤال وطبعا تلك طريقة لم تكن جيدة في إدارة كوم أسئلة في دماغك؛ فليس كل سؤال له جواب وربما كانت هناك أسئلة اجاباتها هي أسئلة أخرى وأسئلة إجابتها ربما أن تظل أسئلة وأسئلة يجب أن تتعلم أن تؤجلها وأسئلة لا يُجيبك عنها غير العمل والتجربة. الآن كأمس عندي كوم أسئلة ولكني بت قادرة أكثر على التصالح والتعامل معها.
هذه التدوينة إن شاء الله اجعلها واحدة من سلسلة تدوينات أسميتها: "بالأمس كنت واليوم صرت" وقد جعلتها نافذة أبوح فيها ببعض التغيرات التي طرأت عليّ كمحاولة لتتبع أفكاري ومراقبتي لنفسي.
ــــــــــــــــــــــــــــ
يُولَد الإنسان مُحَمَل بمئات الأسئلة، وكلما كبرنا تقل قدرتنا على التساؤل بفعل المجتمع ربما أو بفعل من حولنا عامة فلا أحد يتحمل كمية الأسئلة التي يمكن أن يطرحها شخص مُولَع باكتشاف الحياة. بعضنا تهدأ الأسئلة في ذهنه وروحه أو تُدفَن، وبعضنا الآخر تظل الأسئلة تلاحقه مدى الحياة.
 ربما تكون الأسئلة بالنسبة لشخص ناضج شىء جيد لكن سيل أسئلة لطفل أو فتى لم يهتدي بعد لما يشبع روحه وفي مجتمع يخلط بين العيب والحرام ومشبع بإجابات جاهزة ومُسبقة لكل شىء, وبدون شخص يرشده أو يتحمل كمية الأسئلة التي يطرحها؛ فذلك هو الجحيم بعينه. لا تتخيل ما يمكن أن يفعله بك تفكير ليس مُكونه الأفكار ولا يُولِد أفكار إنما تفكير عبارة عن سلسلة من التساؤلات تُولِد المزيد من التساؤلات؛ لا تتخيل الجحيم الذي يمكن أن يسببه لك تفكير من هذا النوع خاصة إذا كنت غير قادر على فهم ما يحدث بالفعل في دماغك ولا قادر على تنظيم أو ترتيب هذا الكم من الأسئلة وغير قادر على إيجاد إجابات لأتفه وأبسط الأسئلة في حياتك ومواقفك اليومية.
 سُئلت يومًا على موقع  (الأسك):
 لو كنت غيمة أي شىء ستمطرين ؟
 قُلتُ: أسئلة.
 ذلك حقيقي إلى حد بعيد فأنا اشعر اني كنت غيمة أسئلة مُذ ولدت؛ فأنا لا اتخيل وقت محدد بدء معي هذا الأمر ولكني أذكر أنه اشتد جدا وصار غليانه يرتطم بنفسي وروحي في سن ال 16 تقريبا. عانيت كثيرًا مع نفسي حتى أن الأمر وصل لدرجة الهوس ففي كل شىء أراه وأسمعه كان عندي (لماذا وأخواتها) أطرحها.
 بعد اربع سنوات من التخبط .. قررت وقتها ان أُقيم هدنة مع نفسي ونتوقف فترة عن طرح الاسئلة وننشغل أكثر بالعمل علنا نجد اجابات. والآن بعد أربع سنوات أخرى أدركت قليلا؛ أدركت أن المشكلة لم تكن ابدا في كمية الأسئلة المشكلة طول الوقت كانت في عدم قدرتي على ترتيبها أو تنظيمها داخل دماغي؛ فقد كانت دائما أسئلة متلاحقة سريعة .. لم أُعطي الوقت لنفسي ولم تعطيني هي ولم يعطينا أحد الفرصة على فرزها وترشيدها, مثل مجنون كنا نبحث عن اجابات لكل سؤال وطبعا تلك طريقة لم تكن جيدة في إدارة كوم أسئلة في دماغك؛ فليس كل سؤال له جواب وربما كانت هناك أسئلة اجاباتها هي أسئلة أخرى وأسئلة إجابتها ربما أن تظل أسئلة وأسئلة يجب أن تتعلم أن تؤجلها وأسئلة لا يُجيبك عنها غير العمل والتجربة. الآن كأمس عندي كوم أسئلة ولكني بت قادرة أكثر على التصالح والتعامل معها.

الإنسان المتسائل ليس إنسان غير واثق بل إنسان لا يخاف من تعدد الاحتمالات، في الوقت الذي يخاف كثير من الناس من السؤال لأنه يُحمِلهم على التفكير ويفتح أمامهم خيارات واحتمالات كثيرة يصبحون معها مجبرين على الاختيار. وليس إحياء السؤال أن تجيب عليه بل أن تسمعه وتعيه وتتيح له الوقت الكافي والتجربة التي تتسع له.


السبت، 2 يوليو 2016

من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ وثم!

من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ وثم!
-في طريقي لأكون-

هناك  بعض الكلمات وردود الأفعال التي كانت تجعلني أشعر بالضيق حين تقال أمامي في المواقف المختلفة وكانت تثير تساؤلات عديدة في ذهني:
"يجب أن تعملي بعد التخرج "يجب أن يكون لكِ دخل خاص"  , " إياك أن تجلسي في البيت بعد التخرج" , " إياك التخلي عن العمل بعد الزواج" , "يجب أن تحققي ذاتك" يجب ويجب ويجب .. وكنت لا أدري لماذا هذه الـ "يجب"، كانت "يجب " بدون الجواب عن "لماذا" تشعرني بالضيق، لماذا يجب أن أعمل؟، ما الذي يعنيه أن علي تحقيق ذاتي ؟! وما الذي سأحققه من كل هذا ؟ هل العلم والعمل في حد ذاتهم هما اللذان سيحققان لي ذاتي؟
الحقيقة أنني رغم أني لم أجلس في البيت منذ تخرجي وبحثت عن أشياء تشغل وقتي كالعمل ومزيد من الدراسة إلا أني ما اقتنعت أبدا بفكرة أن العمل في حد ذاته سيحقق لي ذاتي .
بعد النظر والتأمل و قراءة بعض المقالات للدكتور علي أبو الحسن عن "المكانة" و "المكان"  ، وجدت أن كل هذه الـ "يجب" هي بحث عن "مكانة" فالإنسان يبحث بفطرته عن مكانة له في ذاته وفي المجتمع من حوله. لكن الإشكالية تأتي دائما بأن هناك من يبحث عنها بصفتها "وسيلة" لغاية أكبر وهناك من يبحث عنها بصفتها "غاية"  في حد ذاتها
بين المكانة والمكان والإمكان:
حين تتعامل مع المكانة على أنها غاية بحد ذاتها ستتوه, ذلك أنها تصير كالوهم أو السراب كلما وصلت عندها وجدت نفسك تحتاج للمزيد، مزيد من وهم المكانة التي تختلقها. وتظل في هذه الدائرة المغلقة حتى تجد معنى وقيمة لتلك المكانة.
يقول الدكتور علي أبو الحسن:
"المكانة هي محصلة أثرك" ويستشهد بقول سيدنا إبراهيم لما طلب مكانة له بين الناس: "واجعل لي لسان صدق في الآخريين" ، وهو عليه السلام طلبها عن استحقاق تمنّاه من خلال أثرِه الذي بقي من بعده ممتدّا .
ثم إنها تكليف أكثر من كونها تشريفا كما في قول سيدنا يوسف: "واجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم"  وما طلبها سيدنا يوسف اعتباطا –حاشاه- بل لما وجد في نفسه "قدرة" على ذلك و"استحقاقاً" طلبها على هيئة "مكان".
والمكانة هي اجتماع لـ "تمكنك" من قدراتك و تمكينك لنفسك + قدرتك على "التمكين" لغيرك مما أنت صرت فيه متمكن .
ومن ذلك كله وجدتُ أن المكانة ليست شئ يأتيك من خارجك بل إن أول من يجب أن تتحقق فيه المكانة هو أنت وذلك بتقديرك لذاتك، فليس هناك شخص أو شيء يمكن أن يمنحك مكانة لا ترى أنت أنها فيك محققة.
يقولون: "إذا لم يكن المكان مكانة لا يعول عليه"
ويقول الدكتور علي أبو الحسن: "أنت من يمنح المكان المكانة، فتأكد أين تتواجد وفيم تواجدك"
والمكان المكانة يتحقق لك في شيئين:
الأول: الإجابة عن سؤال "لماذا " فالمكانة هي ما كان مسبوقا بسؤال (لماذا). لماذا تواجدي في هذا المكان وفيم تواجدي وما الذي سأقدر على تقديمه فيه؟..
الثاني: الاشتغال بإمكانك فالإمكان هو المكان على الحقيقة، إمكانك أي قدراتك ومواهبك فهي التي باشتغالك عليها توصلك لمكانك الحق. أما أن تقول أريد أن أصل للمكان كذا فتبدأ بالعمل لتصل إليه فهذه إشكالية كبيرة نقع فيها وتضيع أعمارنا في دوامتها وهي التي عبر عنها دكتور علي أبو الحسن بقوله: " تضخم نظرنا صوب (المكانة ) التي نريدها على حساب تقاصر تركيزنا على (الإمكان) والإمكان هو ما يمكننا فعله وفق قدراتنا الذاتية وضمن متاحات أقصى ما نقدر عليه " .
ويقول الدكتور علي أبو الحسن: "فيما نقدر عليه من استعمال (للإمكانات) والمتاحات وتطويعها وتسخيرها من خلال الاقتدار الذاتي لدينا ما هو إلا نتاج شيئين:
 1- (الإيمان بالإمكان)
2- (العمل بالممكنات)
أي الإيمان بما لديك من إمكانات متاحة لك في الواقع + العمل والاشتغال عليها من خلال الممكنات المتاحة لك شعورًا وتصورًا.
 لماذا لا تصلح المكانة أن تكون غاية بذاتها؟:
يقول الدكتور علي: "المكانة لا تصلح أن تكون (غاية) فهي صورة من صور تقدير الإنسان لذاته، إنما الغاية هي أن يحقق المرء ذاته من خلال (مسؤولية) مكانه وإمكانه."
أي أن لا يكون تحقيق المرء لذاته إلا من خلال تحمله مسؤولية مكانِه وجعله مكانَة من خلال إمكانه والاشتغال عليه. بذلك يصير تحقيقك لذاتك ليس مجرد زيف حتى "يقال" وإنما يصير تحقيقك لذاتك ذو معنى نابع من تمكنك من إمكاناتك وتحويلك لكل مكان تكون فيه لمكانة.  فتحقق: " .. اينما توجهه يأتي بخير..".

إذًا المكانة هي خلاصة قولي: "أسعى أن أكون متمكنا في نفسي، ومُمّكنًا لنفسي، مُمّكنًا لغيري، ويفضي ذلك كله أن أكون مكينًا عند ربي."
فلا يكفي أن تكون مفكر بل يجب أن تجد أدوات لممارسة هذا الفكر، ولديك منافذ عدة لكيفية تحويل تمكنك إلى لغة مشاريع، لغة إفادة ونفع وإفادة.
بين المكانة والتمكن والتمكين أيهم يأتي أولًا وكيف ينتقل المرء من واحدة إلى أخرى؟

يمثل الدكتور علي للمكانة والتمكن والتمكين بثلاث دوائر:
الدائرة الأولى هي دائرة (تمكني في ذاتي) وفيها تكون بين كلمتي (جدير-وقدير) وفيها تمييزك لقَدرِك وتعرفك على نفسك وقُدرَتِك، وهو يشير إليك في الدائرة الأولى أن "كن مشروعا".
أما  الدائرة الثانية يشير فيها الدكتور علي أن " كوّن مشروعا" وفيها تؤسس وتمكن لنفسك وتحقق معيارين هما الفاعلية والكفاءة فتكون نموذجًا لغيرك.
أما  الثالثة فتؤسس فيها لك ولغيرك وتكون فيها بين كلمتين (خبير–مستشار) فتصل فيها بأن صار لك لمستك الخاصة + وصرت مرجع نموذجي و "معلم كيفيات" والدائرة الثالثة هي التي تكون فيها وصلت للمكانة ويقول الدكتور علي معنى جميل في المكانة هنا ليس هو أن تكون فوق الناس بل قولك "مازلت أسعى بالخدمة" أي المكانة هنا هي تسخير كل قدراتك و إمكانياتك "الحقيقية" لتقديم خدمة "حقيقية" للإنسانية في المكان الصحيح.

الخميس، 16 يونيو 2016

من أنا ومن الذي أوجدني ولماذا؟



من أنا ومن الذي أوجدني ولماذا؟
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 إنه سؤال الفطرة .. وما من ذو عقل وقلب إلا وسأل نفسه هذه الأسئلة .. ولكن القليل يستطيع أن يكابد آلام الإجابة
..
والحقيقة أنك قد تجد من يدلك على "أدوات" لتصل من خلالها للطريق لكن لن يمشي عنك أحد ذلك الطريق أبدًا.. والذي ستراه هناك قد لا يراه غيرك فلكل روح إجابة خاصة بها ولها
..
من أنا؟ الذي لا يخفى على أحد أن للإنسان هذا الذي احتارت فيه العقول تقسيمات حتى العامة تعرفها وترددها رغم أنها قد لا تعي حقيقة كل واحدة منها
..
 (قلب - جسد - عقل - روح)
لكن من يقود منهم ؟! وما علاقة كلا منهم بالآخر؟


-من الذي أوجدني؟ -انه الله. -لماذا؟ -لتعرفه. -كيف؟ -حين تحبه ستعرف.

يقول يحيى بن معاذ : من عرف نفسه فقد عرف ربه

  -ما الذي سيحدث بعد هذا؟ -تحقق العبودية له وحده.
يقول مولانا جلال الدين الرومي: "ألا تذكر المهالك الأربعة التي فيها تورطت فالعقل قيد، والقلب خداع، والجسد غرور، والنفس حجاب."

ذلك أن "الحياة تحت قيادة العقل تكون مدركة ولكنها شكاكة، قابلة للاضطراب.
والحياة تحت قيادة الجسد تكون غريزة قليلة الإدراك، طاقوية السلوك. إنما الحياة تحت قيادة الروح تكون حنونة ونامية ذات إدراك فعّال، وسلوك يتميز بالحب الجارف."

يقول محمد إقبال: الحياة بدون تجل عذاب.

ولا يحدث التجلي إلا بروح يقظة . كيف تكون الروح يقظة؟

يقول دكتور علي أبو الحسن:
"عندما تنعس الروح يتثاوب العقل، ويغفو القلب، ويبدأ موسم العدمية."

والذي يجب أن تعيه أن الإنسان كل متكامل لا يمكن فصله لأجزاء غير مترابطة. فالروح لا تكون يقظة وقادرة على أن تقودك في الطريق إلا بمقدار يقظة عقلك وطهر قلبك، هذه علاقة الروح بهما ولعلاقة العقل بالقلب ايضا قانون عجيب فكلما زاد قلبك طهرا وحضورا زاد بذلك عقلك نضوجا.
ما الفرق بين القلب والعقل؟ وكيف السبيل لتنقيتهما؟!
يقول دكتور علي أبو الحسن:
"في كل قلب قلب متخف"
ما هذا القلب وما ذاك القلب؟
هناك قلب هو قلب القلب وهو مقدس لا يدنس وهو ليس إلا له سبحانه، ولهذا القلب قلب يحيط به هذا القلب هو الذي تنعقد فيه العلائق.

ويقول في لفتة لمعنى "تنام عيني ولا ينام قلبي":
"القلب الذي لا ينام هو قلب القلب لأنه مبني على الحضور وسنته اليقظة. أما القلب الخارجي الذي يحصل فيه معارك التطهير إنما هو قلب قائم على الانتباه، وعلى قدر ما يصحو وينتبه هذا القلب يكون فيه من النباهة على قدر ما تجلى أصل المعدن في قلب القلب، فيصير سلطان القلب حاضرا على كل شئ."
يا الله! كل هذا الوقت والله في "قلبك" وما تدري.

يقول جلال الدين الرومي:
"
لطالما بحثت عنه
تلمسته على صليب المسيح ..لكنه لم يكن هناك
سافرت إلى معابد الهند وجبال الثلوج المقدسة
..لكنه لم يكن هناك
بحثت في كل وادٍ ..وقفر ..
لكنه ما كان هناك !
ولّـيت شطر الكعبة ..أتلمس منه أثرا ..
لكنه لم يكن هناك
لازمت أهل العلم والفلسفة أسألهم عنه
..لكنه كان أسمى من كل حروفهم ..ومعانيهم
وحينما أطرقت ..ونظرت ملياً في قلبي
عرفت انه لم يكن.. سوى هنــا
هنا بقلبي .. حيث أقا
م!"

"فويل للقاسية قلوبهم"
يقول الشيخ أحمد الكبيسي: يمر القلب بثمان خطوات حتى يصل لمرحلة القسوة: الأولى: هي الران وهو بالاستغفار يزول. لثانية: أن تكون القلوب في أكنة والأكنة هي الحُبوس فيصبح قلبك غريبًا عن كل ما يقرب من الله. الثالثة: الغُلف وهي مرحلة يصل بها القلب لحيز اضيق من حيث الأكنة.ثم الاقفال ثم الشدّ على القلب "واشدد على قلوبهم". ثم الطبع: حيث يصل لبلادة ترى فيها أن كل ما مر عادي. ثم الختم ولا منجي لك منه إلا الله. ثم الإغفال والقسوة."

 وتأمل معي أين منجاك من كل هذا إلا أن تتخذ الله لك صاحبا في رحلتك تستعينه على ذلك القلب ، يقول الامام أبو حامد الغزالي:
"في أول طريقك اتخذ الله صاحبا"

 ما العقل؟ يقول أبو راغب الأصفهاني : "العقل هو القوة المتهيئة لطلب العلم وفهمه وتلقيه "
يقول الشيخ أحمد الكبيسي: "هذه القوة تفعل عدة أفعال فيسمى تسمية جديدة بناءا عليها.  فأن يكون العقل قادرًا على أن يمنعك من الأستجابة لرغبات النفس وشهواتها السيئة سمي "حِجرًا". فإذا تطور هذا العقل وتربى أكثر سمي نُهيا والنُهيا هو العقل الذي ينهي صاحبه عن كل قبيحة. وإذا بلغ العقل غاية النضج سُمي لُبا. فاللب هو العقل الزاكي الذي يوصلك لمكارم الأخلاق."
وهكذا كلما صفا قلبك وتخلص من علائقه وأمراضه كلما ترقى عقلك في نضجه حتى يصير لُبًا وحينها تصبح روحانيا بامتياز.
فالعقل كما يقول إقبال محدود، والقلب بلا حدود، العقل يفرق ويحتار بين طرفيه، والقلب يجمع بينهما، العقل سُكر، والقلب صحو، العقل منطق، والقلب جنون، العقل راحة، والقلب قلق، العقل يواجه الموضوع، والقلب يعامل الحضور، فالحضور سر كما أن القلب سر، سران يتناجيان إذا حضر الأول حضر الثاني، والقلب والحضور تجليان للحياة."

وكل هذا موصلك للحكمة فالحكمة ما هي إلا بحث عن الله فقد يصل الأذكياء والعباقرة كلا إلى ما يصبو إليه مما لا يصبو إليه العاديون من الناس والحكماء وحدهم لا يجدون جدير بالسعي والبحث إلا الله.